الفصل الأول: أهمية الاستدامة التجارية

في البداية، فإنه من الضروري أن نفهم السبب الذي يدفعنا لاستخدام أنظمة الـERP، قبل أن نتطرق الى فهم «ماهيتها، وكيفيتها» وجميع التساؤلات المتعلقة بأنظمة الـERP.

إن البدء في عمل تجاري مهمة صعبة في حد ذاتها، ولكن المواصلة في هذا العمل والاستدامة يمثل التحدي الأصعب.

 

فلنبدأ بالتحدث عن إحدى المشاريع التجارية والذي يدعى مشروع "كوتشال"

من أين انطلقت فكرة المشروع!!؟

تبدأ الحكاية بصديقين لم يتواصلا منذ زمن طويل.. يدعيان احمد وطه، كان كل منهما يبذل مجهوداً حثيثة. نعم إنهم أخذو نصيبهم من المشقة في هذه الحياة بما يكفي ولكن بدون جدوى بالرغم أنهم بذلوا كل ما بوسعهم.

 

في عطلة نهاية الأسبوع، بينما احمد في المنزل تتصفح على الانترنت على تطبيق انستجرام. وإذ فجأة ظهر على الشاشة اشعار: "انضم طه الى التليجرام"

طه!! ياه!!! إنه صديق قديم، حتى أنني كدت أنسى اسمه من ذاكرتي.



بدأت بالتحدث معه عن التطورات والتغيرات والعائلة والحنين إلى ذكريات الماضي والإحباطات في الحياة. وأيضاً ميولهم الى حب الفن والملابس وتحدثا عن الاستخفاف من صيحات الملابس المتزايدة بشكل لا يطاق، والملل والشقاء من حياتهم العملية المتعبة. ومن هنا ولدت فكرة إنشاء شركة، شركة "كوتشال"!!

 شركتنا تدعى: "كوتشال"، نقدم فكرة فريدة من نوعها، في ظل سوق يسيطر عليها عمالقة الأزياء السريعة، كانت فكرتنا عبارة عن شركة ملابس طويلة الأمد ومستدامة.

 

جازف احمد وطه في كل ما يملكون من مال لبناء هذا الشركة وتطوير هذه الفكرة متأملين بنجاح الفكرة. استعانوا بأقاربهم وأجروا اتصالات لأقرب الناس لهم للحصول على المال. ومع ذلك رأوا ان ذلك لم يكن كافياً وبالطبع سيحتاجون إلى المزيد من المال. لم تكن هذا المهمة سهلةً فقد استغرق الأمر منهم عدة أشهر من التخطيط والاستعانة بكثير من معاريفهم، وأيضاً كانوا يلجؤون الى المستثمرين مراراً وتكراراً من أجل بناء شركة أحلامهم.

 

حصلوا على تأمين التمويل الأساسي وهكذا وضعوا الأساس لشركتهم حيث بدأوا بتوظيف وتدريب الموظفين، وتأمين عقود المواد الخام، وكذلك إنشاء البنية التحتية للإنتاج وكذلك قاموا بالتواصل مع الموزعين وبدأوا بالتسويق والإعلان عن شركتهم، وما إلى ذلك. قضوا وقتاً طويلاً بالبحث عن موردين ذو جودة وكفاءة عالية وكذلك ضبط عملية التصنيع وبالفعل أنجزوا المطلوب.

 

وأخيراً استطاعوا توفير كل ما يحتاجونه تقريباً لإنشاء شركة تصنيع تعمل بسلاسة وسهولة. وقرروا أن لا يضيعوا أموالهم على تكاليف الإعلانات. وبدلاً من ذلك ركزوا على أكثر الطرق الذي تجذب الجمهور وذلك عن طريق وسائل التواصل الاجتماعية وقد ساعدهم التعامل مع المؤثرين المحليين على اكتساب ثقة ومصداقية الجمهور على حد سواء حيث كان المؤثرين يقومون بارتداء الملابس والتحقق من جودتها والترويج لهم.

 

بفضل ملابسهم التي صنعوها، أتيح للناس فرصة اقتناء ملابس طويلة الأمد وأنيقة وكل ذلك بسعر تنافسي. بعد أسابيع قليلة من إطلاق موقع الويب الخاص بهم، وإذ بالكارثة تطرق بابهم.

 

وبعد اقل من سنتين لقد أطلقوا موقع الكتروني خاص بشركتهم وكان شعارهم "الاستدامة التجارية أمر في غاية الأهمية خاصةً في عصرنا الحالي"، وبالفعل، بملابسهم، أتيحت الفرصة للناس اقتناء ملابس أنيقة وتدوم طويلاً - وكل ذلك بسعر تنافسي. ولكن بعد أسابيع قليلة من إطلاق موقعهم على الإنترنت، بدا أنهم تعرضوا لضربة عجيبة رغم السمعة الطيبة التي بدأوا بنشرها في السوق.

 

الحالة العجيبة التي وقعت بها شركة "كوتشال":

بعد عامين من تأسيسها، وجدت الشركة نفسها تائهة ما بين إدارة الخدمات اللوجستية والسجلات الورقية. حيث تظهر مسؤولياتهم اليومية في الأعمال التالية:

  • إدارة المواد الخام
  • إدارة قسم الإنتاج
  • إدارة الطلبات
  • إدارة المخزون
  • الحسابات
  • إصدار الفواتير
  • كشوف المرتبات والضرائب
  • إدارة العملاء
  • إدارة الموردين
  • مراقبة الجودة
  • إدارة موقع الويب



بدأ كمشروع مغمور بالطموح ولكنه غرق بالكوابيس اللوجستية المتطورة حيث فقد أهم عناصر قوته ألا وهو: الوقت المناسب للابتكار والتفكير.  بعدما خسروا كل شيء.. اكتشفوا بأن التواجد في عالم صناعة الملابس يتحتم عليهم مواكبة كتالوجات محدثة مع الموضة المتغيرة في ظل محافظتهم طوال الوقت على أعمالهم في نطاقها الحالي. بعبارة أخرى، أصبحت إدارة العمليات عقبة أمام نموها وابتكارها.

 

لا نشعر بالكارثة إلا عندما تقع على رؤوسنا.

 

إن الخسارة ليس شيئاً يلامسونه على الفور. قد يتهيأ لهم أنهم يحصلون على مبيعات جيدة. ولكن بالحقيقة أن التناقص في التدفق النقدي يظهر فقط عندما تبدأ الأمور بالتدهور.

 

وبعد أن وجد نفسه في مأزق وأدرك خطورة الأمر، قرر طه عقد اجتماع مع أحمد وفريق الحسابات الخاص بشركتهم. إذ يجب تحليل الأخطاء التي ارتكبت قبل فوات الأوان. ومن أجل ذلك. قدم زميلهم "علي" من فريق الحسابات تقرير الميزانية العمومية. هذا التقرير عبارة عن نظرة سريعة يحدد قيمة الشركة خلال فترة زمنية معينة. وكذلك يوضح الفواتير والقروض غير المسددة ومديونية العملاء والالتزامات التي للموردين).

 

تحسب الميزانية العمومية وفقاً لمعادلة بسيطة:

الأصول = الالتزامات + الحقوق الملكية

وهذا يعني أن كل ما تمتلكه الشركة يسمى (الأصول)، وما هو مستحق للآخرين يسمى (التزامات)، وما يخص المالكين يسمى (حقوق الملكية).

 

إذن، ماذا نستنتج من هذا؟

 

أصول شركة "كوتشال"

دعونا نقسم إجمالي أصول "كوتشال" إلى أصول متداولة (تُعرف أيضًا بالأصول قصيرة المدى) والأصول الثابتة (المعروفة أيضًا باسم الأصول طويلة المدى).

  • الأصول قصيرة المدى: النقدية في الصناديق والبنوك، والحسابات الدائنة من قبل العملاء، ورصيد المخزون الحالي.
  • الأصول طويلة المدى: كما يتضح من اسمها، أصول من المفترض أن تستمر لمدة سنة واحدة على الأقل (الممتلكات والمعدات وما إلى ذلك). في الوقت الذي ظهرت به هذا النوع من الأصول، كانت شركة "كوتشال" بالكاد لديها ما يكفي لتغطية الرواتب.

 

أصول شركة "كوتشال" تقدر بإجمالي 37,500,000 ريال مقسمة كالتالي:

  • النقدية في الصناديق والبنوك بإجمالي مبلغ وقدره 30,000,000 ريال في حسابهم.
  • ولديهم ملابس غير مباعة متبقية في المخزن تبلغ قيمتها ب 2,500,000 ريال.
  • وأيضاً يوجد لديهم أصول طويلة المدى في معدات التجميع والمصانع وما إلى ذلك تبلغ قيمتها 5,000,000 ريال.

 

مع العلم انهم كانوا يعتمدون على الأموال التي سيحصلون عليها في المستقبل، والمشار إليها بالذمم المدينة

 

هل تتذكرون كيف أشرنا مسبقاً إلى أن الأصول عبارة عن مجموعة من الالتزامات والحقوق الملكية!؟

 

التزامات شركة "كوتشال"

ومثلها كمثل الأصول، هناك التزامات قصيرة المدى والتزامات طويلة المدى.

بلغت اجمالي الالتزامات 50,046,000 ريال - وهو رقم أعلى بكثير من أصولهم الحالية، موزعة كالتالي:

  • يتعين على شركة "كوتشال" دفع 10,000,000 ريال لمقاولي التصنيع والموردين لأسباب مختلفة، كما هو موضح في الحسابات مستحقة الدفع.
  • علاوة على ذلك، لديهم أيضًا قروض قصيرة الأجل بنسبة عالية مذهلة تبلغ قيمتها 25,000,000 ريال.
  • ثم تأتي ضرائب الدخل، التي تبلغ قيمتها 8,346,000 ريال.
  • رواتب واجور الموظفين بقيمة 3,000,000 ريال.
  • علاوة على ذلك، هناك الديون طويلة الأجل التي سيحتاجون إلى سدادها أيضًا التي يبلغ قيمتها 1,200,000 ريال.
  • وأخيرًا، هناك 2,500,000 ريال مستثمرة في إطار حقوق الملكية للمالك - وهي الأموال التي وضعها أحمد وطه الممولون الأساسيون.

 

لماذا نعتبر كل هذا مشكلة!

نستطيع قياس نجاح شركة ما من خلال تقرير الميزانية العمومية حيث يتبين من خلاله الشركة الناجحة منخفضة المخاطر في الأرباح أو "الأرباح المحتجزة". ببساطة. عندما تحتاج إلى الإنفاق على الشركة أكثر مما تكسبه منها، فهنا ستقع في ورطة.

وللأسف بالفعل الشركة غرقت في هذه الورطة.

إن الأمر خرج عن سيطرة احمد وطه للحفاظ على شركتهم. حيث أنهم يدركون حجم التغييرات الكبيرة الذي سيدفعون ثمنها إذا أرادوا التغيير، حيث سيتوجب عليهم إيجاد طرق لتقليل النفقات العامة، وتبسيط العمليات، والقضاء على التكرارات والتسويف على أمل إيجاد نقطة تحول نحو اتجاه الإيجابي. وإذا لم ينفذوا هذه التغييرات، سيكونون على يقين بأن شركتهم ستكون في أنفاسها الأخيرة في السنين المقبلة.

ولكن احمد وطه ما زالوا يضعون أنفسهم في المعركة. إذ يرفضون تقبل فكرة أن جميع التوقعات التي تحدوها لجعل شركتهم قائمة هي السبب في انهيار مشروعهم وطموحهم. فهم مؤمنون بعقيده راسخة ان الملابس ذات الاستدامة الأنيقة هي المستقبل.